عدن عالم
نُقطة لا تُلمَس
يأخذ هذا المشروع المُشاهد في رحلة بين الواضح والمخفي، ليكشف حدود إدراكنا لأنفسنا. في منتصف القاعة يقف مجسّم من الشبك المعدني، ملتفّ على نفسه مثل متاهة أو نفق. للوهلة الأولى يبدو كأنه يدعو للدخول في عمقه، لكن سرعان ما يتبيّن أن الوصول إلى نهايته أمر غير ممكن. وعلى الرغم من صلابة مادته، يحتفظ السطح بأثر يجعله أقرب إلى الطراوة، فيترك المشاهد بين تناقضين: الصلابة واللين، القرب والبعد.
حول هذا التكوين تنتشر لوحات تكمّل الفكرة بطرق مختلفة. بعضها يعتمد على خطوط منحنية متدفقة بلا بداية أو نهاية، وبعضها يقدّم صوراً مثل باب يتسرّب منه الضباب أو جسد يكشف فراغه الداخلي. في هذه الأعمال يظهر التلاعب بين "المُسمّى والمُسمّى به": الباب قد لا يكون باباً، والجسد قد لا يكشف إلا غيابه. العلامة هنا لا تعكس حقيقتها، بل تلمّح إلى ما يتجاوزها، لتترك المشاهد أمام سؤال عن المسافة بين الاسم وما يشير إليه.
الفكرة الأساسية ليست الوصول إلى جواب نهائي، بل مواجهة حدود الفهم. العمق هنا ليس مكاناً نبلغ نهايته، بل رحلة مستمرة تكشف في كل خطوة طبقة أخرى أعمق، دون أن يكون هناك وصول كامل. وهكذا يتحوّل المعرض إلى دعوة للإصغاء إلى الفراغ بدلاً من محاولة ملئه، وإلى تقبّل الغموض كجزء من التجربة الإنسانية.